من يباح لهم الفطر في رمضان






ما يجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا؟

إذا أفطرتِ الحامل أو المرضِع، وجب على كل منهما القضاء بعدد الأيام التي أفطرتها، ووقت القضاء موسع إلى زوال عذرِها، وقد يستمر ذلك سنةً أو سنتين فأكثر، فلا حرج عليها في تأخير القضاء، ولكن متى زال عُذرها وجب عليها القضاء فيما بين زوال العذر إلى رمضان التالي له، وليس عليها مع القضاء إطعام، سواء أكان الفِطر خوفًا على نفسها أو خوفًا على جنينها أو وليدها، على الصحيح من أقوال أهل العلم - رحمهم الله تعالى - وذلك لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث أخبر أن الحامل والمُرضع كالمسافر قد وضع الله عنهما الصيام كما وضعَه عنه، والمسافر يقضي فقط؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ ﴾ [البقرة: 185]، وهكذا الحامل والمُرضع تقضيان فقط، ولأنهما في حكم المريض، والمريض يقضي فقط من غير إطعام.


السبب الثاني: المرض وللمريض ثلاث أحوال:

الحال الأولى: إذا كان المريض يتضرر بالصيام، ولا يُرجى شفاؤه من هذا المرض، مثل: المريض بالسرطان المُنتشِر في البدن، والمريض بالسكري ويَعجز عن الصيام والقضاء، والذي يَغسل الكُلى ولا يستطيع الصيام في رمضان ولا القضاء، فهؤلاء يُفطرون، ويجب عليهم أن يطعموا مسكينًا عن كل يوم من رمضان.


الحال الثانية: إذا كان المريض يتضرر بالصيام، ولا يُرجى شفاؤه من هذا المرض، لكنه يستطيع صيام بعض الأيام دون بعض، ويستطيع القضاء، مثل: المريض بالسكري الذي يستطيع صيام بعض الأيام دون بعض، فيصوم الأيام التي يستطيعها، ويُفطِر الأيام التي يشقُّ عليه صيامها، ثم يقضي فيما بعد، وهكذا الذي يغسل الكلى ويستطيع صيام بعض الأيام دون بعض، فيصوم ما يستطيعه ويفطر الأيام التي يغسل فيها الكلى والأيام التي يشقُّ عليه صيامها، ثم يقضي فيما بعد.


الحال الثالثة: إذا كان المريض يتضرَّر بالصيام، ويُرجى شفاؤه من هذا المرض، مثل عامة الأمراض غير المُزمنة، فهذا يُفطِر الأيام التي يعجز فيها عن الصيام، أو يشقُّ عليه الصيام فيها مشقَّة ظاهِرة، ثم إذا شُفي صام بقية الشهر، ويقضي ما أفطره من أيام، وليس عليه إطعام بسبب ذلك.


السبب الثالث: الحيض أو النفاس:

من رحمة الله - تعالى - بالمرأة أنها إذا حاضت أو نَفسَت لا تؤمر بالصيام، بل إنها تُنهى عن الصيام في هذه الحالة، ولو صامت أَثِمت ولم يصحَّ صومها؛ فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خرَج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى أو فِطْر إلى المصلى، فمرَّ على النساء فقال: ((يا معشر النساء، تصدَّقن؛ فإني أُريتُكنَّ أكثر أهل النار))، فقلن: وبمَ يا رسول الله؟ قال: ((تُكثِرن اللعن، وتَكفُرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبِّ الرجل الحازم من إحداكن))، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: ((أليس شهادة المرأة مثل نِصف شهادة الرجل؟))، قلن: بلى، قال: ((فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تَصُم؟))، قلن: بلى، قال: ((فذلك من نُقصان دينها))؛ متفق عليه[2].


وإنما مُنعت المرأة من الصيام في هاتين الحالتين؛ لأنها في حالة من الضعف تَحتاج معها إلى الراحة والطعام والشراب، فلم يُناسِبها إيجاب الصيام عليها، بل إن الله - تعالى - رحمةً بها وضَع عنها الصلاة المَفروضة.


ويجب عليها أن تقضي بعدد الأيام التي أفطرتها من رمضان؛ فعن معاذة بنت عبدالله العدويَّة قالت: سألتُ عائشة - رضي الله عنها - فقلتُ: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أَحروريَّة أنتِ[3]؟! قلتُ: لست بحروريَّة، ولكني أسأل، قالت: ((كان يُصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمَر بقَضاء الصلاة))؛ متفق عليه[4].


ووقت القضاء موسع لها من رمضان الذي أفطَرت فيه إلى رمضان الآخَر، ولا يجوز لها تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان الآخَر بغير عذر.


إذا طَهرت الحائض ليلاً أو نهارًا فماذا عليها؟

إذا رأت المرأة الحائض الطهرَ الكامل قبل الفجر وجب عليها صيام اليوم التالي، ويكون الطُّهر برؤية القَصة البيضاء لمن طُهرها بالقَصة البيضاء، أو بالجَفاف الكامل لمن طُهرها بذلك، فيَجب عليها في هذه الحالة أن تصوم اليوم التالي، وإن لم تَغتسِل إلا بعد طلوع الفَجر.


وأما إذا لم تر الطهر الكامل إلا في أثناء النهار فإنها تُكمل يومها مُفطِرةً، فلها أن تأكل وتشرب بقية النهار على الصحيح من قولي العلماء، وتصوم من اليوم التالي.


السبب الرابع - العجز عن الصيام لكِبر السنِّ:

كبير السن الذي لا يستطيع الصيام، أو يشقُّ عليه الصيام مشقةً ظاهرةً يجوز له أن يفطر، ويجب عليه أن يُطعِم مسكينًا عن كل يوم من رمضان، ومِقدار الإطعام: نصف صاع عن كل يوم، ويساوي بالكيلو: كيلو ونصف تقريبًا من الأرز أو غيره، فيُجزئ عن الشهر كله إذا كان تامًّا كيس أرز كبير من الذي يزن (45 كجم) خمسةً وأربعين كيلو جرام، ويجوز إعطاؤه لعائلة فقيرة أيًّا كان عددها.


وإذا وصل الكبير إلى درجة الخرَف فلم يَعُد يَعقل شيئًا، فإنه يزول عنه التكليف، ولا يلزمه شيء، فلا يُصام عنه، ولا يُطعَم عنه.


وإذا وصل الكبير إلى درجة الخرف فلم يعد يَعقِل شيئًا فإنه يزول عنه التكليف، ولا يلزمه شيء، فلا يُصام عنه، ولا يُطعَم عنه.


السبب الخامس - السفر:

يجوز للمسافر سفرًا مُباحًا الفطر بإجماع العلماء، إلا أن يَقصد بالسفر التحايل به على الفطر فلا يجوز له الفطر؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 185].


عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن حمزة بن عمرو الأسلمي - رضي الله عنه - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أأصوم في السفَر؟ - وكان كثير الصيام - فقال: ((إن شئتَ فصم، وإن شئتَ فأَفطِر))؛ متفق عليه[5].


وهذه الأدلة تعمُّ كل مسافر، وإن لم يجد مشقَّة؛ كمن سافر بالطائرة وكان الجو باردًا؛ إذ المبيح للفِطر هو السفر وليس المشقَّة.


ولا يجوز العيب على من أفطر في هذه الحالة؛ لأنه مترخِّص برخصة الله - تعالى - قال أنس - رضي الله عنه -: سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان، فلم يَعِب الصائمُ على المُفطِر، ولا المفطر على الصائم؛ متفق عليه[6]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: يجوز الفِطر للمسافر باتفاق الأمة، سواء كان قادرًا على الصيام أو عاجزًا، وسواء شقَّ عليه الصوم أو لم يشقَّ؛ بحيث لو كان مسافرًا في الظل والماء، ومعه من يخدمه، جاز له الفِطر والقَصر، ومن قال: إن الفطر لا يجوز إلا لمن عجَز عن الصيام فإنه يُستتاب، وكذلك من أنكر على المُفطِر فإنه يستتاب من ذلك، فإن هذه الأحوال خلاف كتاب الله، وخلاف سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلاف إجماع الأمة؛ اهـ[7].


أحوال الناس في الصيام في السفر، ومتى يكون الأفضل الصوم أو الفطر؟

للناس في الصيام في السفر خمس احوال
 الأولى: مَن يتضرر بالصيام، فهذا يكره له الصيام، وإن صام أجزأه، وذهب بعض العلماء إلى تحريم الصيام عليه، وعلى هذا يُحمل ما رواه جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرَج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، [فقيل له: إن الناس قد شقَّ عليهم الصيام، وإنما يَنظُرون فيما فعلت، فـدعا بقدح من ماء [بعد العصر] فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: ((أولئك العُصاة، أولئك العُصاة))؛ رواه مسلم[8].


 الثانية: مَن يشقُّ عليه الصيام ولا يتضرَر به، فهذا يكره له الصيام أيضًا، وإن صام أجزأه، وعلى هذا يُحمل ما رواه جابر - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فرأى زحامًا ورجلاً قد ظُلِّل عليه، فقال: ((ما هذا؟))، فقالوا: صائم، فقال: ((ليس من البرِّ الصوم في السفر))؛ متفق عليه[9].


 الثالثة: مَن لا يشق عليه الصيام، ولكن يشق عليه القضاء؛ كالذي يكون مشغولاً في غير رمضان بوظيفة أو سفر فيشق عليه القضاء، أو يَنشط في الصيام مع الناس ولا ينشط وحده، أو أن عنده عبادات أو أعمالاً أخرى في فِطره تستغرق أكثر وقته ويشقُّ عليه القضاء في هذه الحالة؛ فالأفضل لهذا أن يصوم في السفر.

 الرابعة: من يستوي عنده الأمران الصيام وعدمه، ولا يشقُّ عليه القضاء، فقد اختلف العلماء في الأفضل له، والصحيح أن الأفضل له الفِطر، وهو مذهب الإمام أحمد، وقول ابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب والشعبي والأوزاعي وإسحاق وابن خزيمة وابن حبان، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخُنا ابن باز، واللجنة الدائمة للإفتاء.


وذلك لأنه يَستمتِع برخصة الله - تعالى - وفي حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يَكره أن تؤتى معصيته))؛ رواه أحمد وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبان[10]، ويدل عليه أيضًا قوله - تعالى -: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 185]؛ حيث جعل الأصل للمريض والمسافر الإفطارَ؛ لأنه نقله مباشرةً إلى القضاء، ولم يخيِّره في الصيام وعدمه، ولولا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنه - كان يصومون في السفر لكان لمن قال بوجوب الفطر وجهٌ من هذه الآية الكريمة.

الخامسة أن يستفيد المسافر بالفِطر زيادة عبادة أو مصلحة، كأن يتقوَّى به على الجهاد، أو على أداء العمرة أول ما يدخل مكة نهارًا؛ لأن الابتداء بها أول قدومه هو السنَّة، أو أدائها على وجه أتمَّ مما لو أداها صائمًا، أو يكون لو أداها صائمًا شق عليه، فالأفضل له في هذه الحال الفِطر كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه - رضي الله عنه - بالفطر في فتح مكة[11].


وقت جواز الفطر للمسافر

يجوز الفِطر للمُسافر من أول ما يخرج من بلده ولو كان قد ابتدأ الصيام، كما يجوز له الفِطر أثناء السفر، والفطر إذا أقام ببلد إقامة لا تمنَع قصر الصلاة كاليوم واليومين والثلاثة ونحوها.


وله الفطر أيضًا في رجوعه، وإذا دخَل بلده مُفطرًا فله أن يُتمَّ فطره ولا يلزمه الإمساك على الصحيح من قولي العلماء، وهو مذهب مالك والشافعي، ورواية عن الإمام أحمد؛ لأنه لا دليل على وجوب الإمساك، والأصل أن من أفطَر أول النهار بعذرٍ جاز له الفطر آخِرَه، ويؤيده قول ابن مسعود - رضي الله عنه -: مَن أكل أول النهار فليأكل آخره؛ رواه ابن أبي شيبة[12].


وأما إذا قدِمَ بلدَه ودخلها صائمًا، فلا يجوز له الفِطر، ويلزمه إتمام صيامه.